الثلاثاء، 10 ديسمبر 2019


تداعيات (1) النصيرية

كنا مجموعة من الشباب في رحلة خلوية نروُح عن أنفسنا ونخرج من جو العمل حيث الفضاء اللامتناهي والهواء النقي وأثناء الرحلة إختليت بنفسي وتلك عادتي كلما سنحت الفرصة أحمل بعض الأوراق أدون بعض الخواطر ..جلست تحت شجرة وريفة وفجأة شدتني شقشقة عصفور على الشجرة فإلتفت ناحية الصوت فهالني المنظر.. عصفورة حمراء يعلوها سواد كثيف على رأسها وتحرك جناحيها بطريقة غريبة وتلمع عيناها بصورة حزينة وسبحت بخيالي عبر السنين..
كنا أربعة لا تتجاوز أعمارنا أصابع اليدين تزيد بإضافة أصبعين وتنقص بنقصانها صبيان أنا وأخي وصبيتين هما بنتا الجيران تكبرنا إحداهما ويصغرها أخي بعام وتصغره أختها بمثله ثم أنا .. كانت مهمتنا في أسرتينا رعي الأغنام مرتان في اليوم أثناء الإجازة الصيفية ومرة أثناء أيام الدراسة نبدأ وردية الصباح منذ بزوغ الشمس وحتى قبيل الظهيرة وتبدأ الثانية بعد العصر وحتى المغيب كانت أوقات محببة لدينا رغم مافيها من مشقة ومسئولية في هذا العمر الصغير..تمتد المراعي غرب القرية وحتى تخوم البادية غرباً ونتوزع العمل أثناء الرعي والذي يقتصر على جمع الأغنام عندما تتفرق أثناء رعيها ونمضي بقية الوقت في اللهو والمرح..وفي ذلك الزمان تأتي جماعات من البدو وتستقر في هذه البادية لمدة ثم تمضي في ترحالها ومن هؤلاء جماعة يقال لهم أولاد نصير لهم صبية صغيرة تماثلنا في العمر تأتي إلينا تسوق أمامها بعض الأغنام ثلاثة أو أربعة مما ترك أبوها بعد أن ذهب ومعه كل أغنامه للرعي في مسافات أبعد .. إسمها فاطمة ونطلق عليها النصيرية نسبة لعائلتها وكانت لا ترفض الإسم بل تبتسم علامة القبول ..صبية مليحة يتبعثر شعرها من خلفها في سواد فاحم وإنسدال يخفي وجهها عندما تدبر، بيضاء البشرة تراها الشهر والشهران لا ترتدي سوى فستانها الأحمر، عذبة الحديث عندما تحكي لنا عن البادية وتبدئ إندهاشاً عند سماع حديثنا عن القرية..كانت تشاركنا اللعب وتقوم بواجبها من العمل في الرعي .. ومن ألعابنا المحببة لعبة التخبي أو ما يعرف بالغميضة حيث يجلس أحدنا القرفصاء مغمض العينين ويختبئ البقية ويظل يبحث عنهم وأول من يجد يكون الدور عليه في الجلوس وتستمر اللعبة وفي يوم من الأيام كان الدور على البنت الصغرى وعند الإشارة بدأت في البحث وأول من وجدت أخي وعندما تيقنا أنا والبنت الكبرى أن الدور القادم على أخي ظهرنا ولكن لم تظهر النصيرية وأخذ أربعتنا في البحث عنها في كل الأماكن التي نعرفها شبرا شبرا وإفتكرنا أنها لم تسمع صيحاتنا بإنتهاء دور اللعب ولكن دون جدوى  .. وبدأ شئ من الخوف يدب فينا ونظراتنا لبعضنا البعض تحمل ألف كلمة وكلمة ولكننا لم ننطق بحرف واحد وبحركة جماعية جمعنا أغنامنا وذهبنا نحو القرية ورجعت أغنام النصيرية تجاه مضارب أولاد نصير..
وتوالت الأيام ولا نذكر النصيرية إلا بحذروتتقاذفنا الهواجس إذ لم يسألنا أهلها  ولم نتجرأ على سؤالهم عنها .. وفي يوم من الأيام ذهبت البنت الصغرى لترجع الأغنام بعد أن تفرقت وفجأة جاءت مهرولة من ناحية الشجرة الكبيرة وصدرها يعلو ويهبط وعيناها مليئة بالدموع ودست وجهها في حضن أختها  .. وإنتقلت حالتها لا إراديا إلينا وخفنا لخوفها دون أن نعرف السبب ونظراتنا إليها من خلال دموعنا تستفسرها عن السبب.. ثم بدأت في التحدث وهي تلتفت نحو الشجرة بين كل كلمة وأخرى.. شفت النصيرية!! كلنا وبصوت واحد وين؟؟ قالت وما زالت أنفاسها تتتابع : فوق الشجرة ..فهرولنا ثلاثتنا وهي من خلفنا نحو الشجرة ويجول بصرنا بين الأغصان وتصيح الصغيرة مشيرة بأصبها نحو أحد الأفرع هناك... كانت هناك عصفورة حمراء يعلوها سواد كثيف تشقشق وتحرك جناحيها بطريقة غريبة تلتمع عيناها بصورة حزينة وتطير فوق رؤوسنا وترجع لمكانها في الفرع .. ظللنا للحظات ننظر في ذهول ولا ننطق بكلمة ..إنها هي .. ولكن كيف ؟؟ لم تستوعب عقولنا الصغيرة شيئاً .. ناديتها بصوت عالٍ على صيغة سؤال النصيرية؟ فهبطت نحونا وإزدادت شقشقتها وهي ترفرف بجناحيها فوق رؤوسنا ونحن نتابعها للحظات ثم طارت بعيداً حتى توارت عن الأنظار ..  فتيقنا بأنها النصيرية ولكن كيف ؟؟؟
شمس الدين المرضي
شندي 10ديسمبر2019م

الاثنين، 1 أبريل 2019

عَابِرة



إنها زهرة ندية
تنشر الشذى فى نواحى البرية
لها ضحكة رنانة تسكر بلا بابلية
ولها صمت وقور كصمت الشيوخ الأزهرية
من غير موعدٍ أو مقدماتٍ أولية
جاءت من عُمق ازمان قصية
من ملامح الفرنجة لها لمحةٌ اسية
من عنفوان العروبة إنها ظبية جبلية
من نبتة وعلوة والمقرة فيها سمات مروية
لها نظرة أمهرية
وشئ من ضحكة غجرية
وإباء أميرة عربية
وهمس نسيم فى الصباحية
وهديل حمامةٍ برية
لمن هذى .... سؤالات عصية
فبادرتنى بإجابات ذكية
كان اَخرها
أيا هذا... ليس فى الدن بقية
عطبرة فى 26/11/2012م

الأحد، 24 مارس 2019

زراعة قلب


زراعة قلب
زرعت بذور داخل قلبى
 وهيأت لها مخبأ
وسويت مرقدها وضربت لها حجبا
وفتحت لها  شريانى مجري
يسقيها دوما... ريا... سربا
وظلت يوما .. يومان ..شهر ..شهران
لم يتفجر برعم زرعي
رغم الدم الدافق دوما
رغم الضوء الساطع حلما
وجاء اليوم السبعون 
ومرت عشرا
وبدأ الشك يساورنى
ويزداد قلبى دقا
 فيزيد ري بذورى غمرا
وإنسربت سبع أخرى
ولم ينبت شئ من زرعى
فنبشت بذورى نبشا 
وتفجر قلبى نهرا
فأصبحت من أمرى في حيرة
وقلبى يحاورنى .. 
أعيب في ؟
أم ما فى جوفى من بذرة؟
مهلا قلبى ليس لعيب فيك
وليس لعيب فى البذرة
رب الوقت غير مناسب للمسرة
سنعيد الكره ..
متى؟
لا أدري
ولكن ربى أدرى